القطن العضوي في سورية
- 2 November , 2011 -
- دراسات وبحوث زراعية
الدكتور مجد جرعتلي
إنتاج القطن العضوي ليس ترفا يهدف إلى الحصول على ألبسة قطنية عضوية ؟ ولكنه ضرورة تزداد أهميتها يوما بعد يوم هدفها الإستغناء عن الكميات الهائلة من سموم مبيدات الحشرات والأعشاب والأسمدة ذات المنشأ الكيميائي والتي يستهلكها بشراهة إنتاج هذا المحصول والتي تصل أثارها الخطرة إلى ملابسنا ومن ثم أجسامنا كما تدمر البيئة وكافة أشكال الحياة فيها وعلى مساحة ملايين الهكتارات المزروعة بالقطن و المنتشرة في دول العالم
نشرت هذه المقالة في مجلة ” البيئة والتنمية ” العدد 157- من شهر أبريل عام 2011
تاريخ وأهمية زراعة القطن في سورية :
يحتل محصول القطن مكانة الصدارة في سورية وهو من المحاصيل الهامة والغالية على قلوب المزارعين السوريين حيث يطلقون عليه إسم “الذهب الأبيض” وفي مقالتي هذه سوف أشرح بإختصار كيف ينتج” الذهب الأبيض العضوي “
تعتبر زراعة القطن في سورية من الزراعات الغارقة في القدم والتي عايشت تاريخهم منذ ألاف السنين وإلى الأن , ويعود تأريخ زراعة القطن وصناعة الغزل والنسيج في سورية إلى حدود الألف الرابع قبل الميلاد حيث ذكر الكنعانيون أن صناعة الغزل والنسيج على أنها من الصناعات الاعتيادية في المنازل السورية , ولقد وجدت في سورية آثار مغازل من الحجر والعظم وأثقال من الحجر والطين تستخدم لأجل الأنوال وترجع إلى أوائل الألف الثالث قبل الميلاد .
أهمية محصول القطن في سورية:
تعتبر زراعة القطن ( (Gossypium spp في سورية والتي ترتكز في أكبر خمسة محافظات رئيسية هي (حلب والرقة ودير الزور والحسكة وحماه) من المحاصيل الإستراتيجية التي يعتمد عليها الإقتصاد الوطني نظراً لحجم المساحات التي يشغلها هذا المحصول (175-200) ألف هكتار إضافة لحجم اليد العاملة التي تعمل بزراعته, ويؤمن القطن نحو (20- 30%) من مجمل الصادرات الزراعية وهو المحصول الزراعي الأول والصناعي الثاني من حيث المساهمة في تأمين القطع الأجنبي بعد البترول , كما ترتكز عليه الصناعات النسيجية التي تعتبر في سورية الركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني في الميزان التجاري السوري فهي تسهم بنسبة (30% ) من إجمالي الصناعات التحويلية ويعمل فيها نحو مليون عامل أي حوالي ( 20 % ) من مجموع اليد العاملة للدولة.
المكانة الدولية للقطن السوري:
لقد حازت سورية على المرتبة الثانية عالميا في إنتاج القطن من حيث وحدة المساحة بينما احتلت المرتبة الثالثة آسيويا في إنتاج القطن العضوي بعد الصين وتركيا والمرتبة السابعة عشرة في العالم, ودخلت مصاف الدول المتقدمة في جودة أقطانها (متوسطة التيلة ) وفي إنتاج القطن الملون, كما تفوقت سورية في مجال المكافحة الحيوية بخبراتها الوطنية والتي اعترف بها عالميا من خلال الإعتماد على المكافحة الحيوية الآمنة لتحقيق المحافظة على البيئة والإنتاج النظيف ولقد بلغ إنتاج سورية من القطن (652) ألف طن لعام 2009وكانت المساحة المزروعة هي (163 ) ألف هكتار .
وإن الحديث عن إنتاج القطن العضوي يدعونا في البداية إلى الحديث عن مسيرة طويلة لزراعة القطن في سورية والتي مهدت وأسست الطريق لنجاح إنتاجه عضويا , وذلك بعد عشرات السنين من التعب والتجارب والبحوث المشتركة بين كل من المزارع السوري من جهة و الحكومة ووزارة الزراعة من جهة ثانية.
والتي تمثلت على أرض الواقع بعدة قوانين وقرارات خاصة بمحصول القطن دون سواه نعددها فيما يلي : لقد تم تــــأسيس” مـــــكتب القطن ” بموجب المرسوم التشريعي رقم83 لعام 1952 المتخصص بالأبحاث العلمية الزراعية لتطوير زراعة القطن وصناعته , بالإضافة إلى تنظيم التشريعات الخاصة بالقطن من خلال القانون رقم222 لعام 1958 وإقامة ” مهرجان القطن ” والذي يقام ســــــنوياً في مدينــــــة حلب من خلال القانون 127 لعام 1958 كما تم إحداث ” الهيئة العامة لحلج وتسويق الأقطان ” في ( 8/ 6/1965 ) والتي أُنيط بها مسؤولية تجارة القطن كما تم إحداث ” محطات أبحاث القطن ” و” مختبرات تيلة القطن” ومختبرات إنتاج الأعداء الحيوية لمكافحة حشرات القطن” وإنتهاءا بالقانون 21 لعام 2010 ” الناظم لزراعة القطن وتصديره واستيراده”
ومنذ عام 1971 وإلى الأن تم استنباط العديد جدا من الأصناف المحلية للقطن والتي حازت على ثقة المزارعين والتي تخضع بشكل سنوي إلى عمليات بحوث تطويرية ونذكر منها ( حلب40 وحلب33 وحلب90 وحلب118 و رقة5 ودير الزور22 و رصافة ) والتي تزرع حاليا.
رافق هذا التقدم بتطوير الأصناف المحلية أيضاً تطوير أساليب زراعة القطن ومكافحة آفاته وزيادة مردود وحدة المساحة (فقد إحتلت سورية المرتبة الثانية عالميا بعد استراليا في مردود وحدة المساحة بمعدل 4 أطنان /هكتار اعتباراً من عام 2001 وإلى الأن) كما تعتبر سورية ومنذ عام 1994 من الدول الأولى في العالم بإستخدام المكافحة الحيوية لحشرات وأفات القطن وقد تم مكافحة أخطرها وهي ” ديدان جوز القطن” بإستخدام متطفل بيض محلي ” Trichogramma principium” تم إكثاره محليا في ” مخابر إنتاج الأعداء الحيوية وتبلغ حالياً المساحة المكافحة حيوياً بما يزيد عن 5000 هكتار سنوياً بإطلاق أكثر من نصف مليار عدو حيوي.
وفي عام 2003 تم إضافة جديدة لبرنامج المكافحة المتكاملة لآفات القطن الحشرية بإدخال تربية متطفل يرقي وهو ” Bracon brevicornis” يتم إنتاجه في مختبر أبحاث المكافحة الحيوية بجامعتي ” حلب ودير الزور” وتبلغ المساحة المكافحة باستخدام هذا المتطفل حالياً حوالي2700هكتار. مع العلم الدولة توزع كافة الأعداء الحيوية مجانا على مزراعي القطن وبأن المساحات المكافحة كيماويا دون 1٪ من المساحة الكلية المزروعة بالقطن .
إنتاج القطن العضوي في سورية :
بدأت سورية في إنتاج القطن العضوي منذ موسم عام (2005 – 2006 ) وسجلت كإحدى الدول المنتجة للقطن العضوي وذلك من خلال شركة (AK organic) الألمانية والذي مقرها مدينة بريمن والتي تعمل منذ عام 2006 وإلى الأن وتشرف من خلال خبراء مختصين أجانب ومحليين على كافة الأعمال اللازمة من بداية زراعة البذور وإلى وصول القطن العضوي كمنتج نهائي وبرقابة أوروبية من اتحاد مانحي شهادات المنتجات العضوية في أوروبا (C.U) Control Union World Group ويتم إنتاج القطن العضوي من خلال برنامج خاص يتلخص بعدم إستخدام الأسمدة والمبيدات الكيميائية والبذار المعدل وراثيا.
ملخص إنتاج القطن العضوي :
تبدأ بإختيار البذور حيث يتم إختيار بذور القطن العضوي فقط ( المنتجة من محصول قطن عضوي ) والمعقمة حراريا ( وليس بالأشعة ) أما عملية مكافحة الحشرات والأفات فتتم بإعتماد ” برنامج الإدارة المتكاملة لآفات القطن “ والذي يشمل مجموعة من المعاملات الزراعية التي تحقق عدة أهداف مجتمعة وهي التخلص من مصادر العدوى مثل رعي بقايا المحصول بعد القطاف والفلاحات الخريفية والتخلص من الأعشاب وتعقيم البذار بالحرارة وجمع الآفات باليد والوقاية من الآفات مثل الزراعة المبكرة والدورة الزراعية والتنوع المحصولي واختيار صنف القطن الملائم للزراعة، إضافة إلى تحسين بيئة المحصول مثل الزراعة على خطوط والتفريد الجيد وعدم زيادة الكثافة النباتية وتحديدها ( 8-10) سم و المراقبة والرصد، بالإضافة إلى المكافحة الحيوية لأخطر الأفات التي تهدد محصول القطن وهي ديدان جوز القطن الشوكية والأمريكية والقرنفلية والتي تكافح من خلال استخدام متطفلات البيض تريكو غراما ” Trichogramma principium” عند إكتشاف الاصابة المبكرة وانتشار بيوض ديدان الجوز بنسبة 7-10 بيوض/100 قمة أو برعم , ويتم إطلاق الطفيل في الحقل بواسطة كبسولات بمعدل 100000 طفيل في الهكتار .
كذلك استخدام متطفلات اليرقات براكون ” Bracon brevicornis” لمكافحة ديدان جوز القطن القرنفلية ، حيث تستخدم في الحقل بإطلاق الحشرة الكاملة للطفيل بمعدل 100-150 أثنى / دونم عند وجود 4-5 يرقات حية لكل 100 جزء ثمري , أما من حيث مكافحة الأعشاب الضارة فتتم دون إستخدام أي مبيدات للأعشاب حيث يتم مكافحتها قبل الزراعة بعملية يطلق عليها محليا ( التربيص) وهي إرواء الحقل قبل شهر ونصف من بداية الزراعة وبكميات كافية من المياه فيؤدي ذلك إلى إنبات سريع للأعشاب ومن ثم يتم فلاحة وقلب هذه الأعشاب في داخل الأرض , أما بعد الزراعة فيتم عملية مكافحة الأعشاب بعملية ( التعزيق) وهي إقتلاع الأعشاب يدويا.
أما تسميد القطن العضوي فيتم بإستخدام الأسمدة العضوية ( وهي خليط من المخلفات العضوية للأبقار والأغنام والدواجن) والمخمرة والمعقمة حراريا كما تسمد بأسمدة عضوية سائلة وذلك حسب حاجة كل منطقة زراعية ويتم فحص للتربة بشكل دوري .
أما عملية قطاف القطن العضوي فتتم بشكل يدوي ويعبأ القطن في أكياس من نسيج نبات القنب سعة كل كيس (170-200) كغ وترسل هذه الأقطان إلى محالج مخصصة من قبل الدولة لإستقبال القطن العضوي والذي تم تخصيصها من قبل ” المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان ” في حلب وذلك لضمان عدم تلوثها أو إختلاطها بأقطان غير عضوية .
مخلفات القطن العضوي :
تعتبر مخلفات القطن العضوي ذات فوائد كبيرة حيث تستخدم بذور القطن العضوي بعد الحلج في إنتاج ( زيت بذر القطن العضوي ) في ” معمل زيوت حماه ” أما المخلفات الناتجة بعد إستخراج الزيت من البذور والتي تسمى محليا ( الكسبة ) فتباع كعلف عضوي للحيوانات . أما بالنسبة إلى مخلفات القطن في الحقول والتي تبقى بعد عمليات القطاف فإنها تؤجر إلى مربي الأغنام التي ترعى اوراق القطن العضوي وهذا يحقق دخل مالي إضافي لصاحب الحقل كما تساهم هذه الأغنام في أكل العديد من يرقات وبيوض الحشرات التي تتطفل على الأوراق كما تترك تلك الأغنام كميات لابأس بها من المخلفات العضوية في الحقول , وأما باقي المخلفات من الأفرع الجافة والصلبة فتستخدم للتدفئة أو في صناعة ( الكومبوست ) العضوي بعد جرشها .
تسويق وبيع القطن العضوي :
يتم بيع قسم من القطن العضوي المنتج في سورية كقطن “محلوج ” أي منزوع البذور ” إلى عدة دول في الإتحاد الأوروبي وقسم يتم صناعته كخيط قطن عضوي ضمن معمل غزل مخصص للقطن العضوي وحائز على شهادة (C.U) وهو ” معمل غزل الحسكة ” في مدينة الحسكة ويباع الخيط العضوي المنتج للخارج أو داخل سورية حيث يتم تصنيعه محليا على شكل ألبسة قطنية جاهزة وتصدر للخارج حاملة شعار القطن العضوي ويتم توزيعها حاليا في 18 دولة في العالم معظمها في أوروبا اضافة إلى الصين والمكسيك . كما يتم التسويق عن طريق شركة (AK organic) والتي لديها عدة عقود مع شركات عالمية مثل : (Nike, Levi’s , Wal-Mart , M&S, Reebok ).
وبشكل عام فإن سوق منتجات القطن العضوي في العالم في إرتفاع محموم فقد أظهرت إحصائية حديثة لهذا العام عن إزدياد الطلب العالمي على ” المنتجات النسيجية القطنية العضوية ” والتي تلتزم بشهادة المقياس العالمي للنسيج العضوي” Global Organic Textile Standard (GOTS)” والتي أظهرت أنه في عام 2008 كان حجم المبيعات لتلك المنتجات هو 3و2 مليار دولار وارتفع في عام 2009 إلى 4,3 مليار دولار وبزيادة كبيرة قدرها 35% .
مساحات وكميات القطن العضوي المنتجة في سورية :
إختلفت المساحات المزروعة بالقطن العضوي والكميات المنتجة في سورية منذ بداية إنتاجه وإلى الأن ففي عام 2006 كانت المساحة المزروعة هي (29290,53 ) هكتار والكمية المنتجة هي (24,000 ) طن وإرتفعت وبنفس المساحة المزروعة وبشكل كبير إلى ( 80,832 ) طن في عام 2007 , أما في عام 2008 فقد إنخفضت المساحة المزروعة إلى ( 18174,58 ) هكتار وكانت الكمية المنتجة هي ( 38,272 ) طن ويعود هذا النقص إلى الأزمة الإقتصادية العالمية والتي تأثرت بها كافة دول العالم , وفي عام 2009 فكانت المساحة المزروعة هي ( 76755,64 ) هكتار والكمية المنتجة هي ( 51,746 ) طن أما في العام الحالي 2010 فكانت المساحة المزروعة ( 2495602 ) هكتار والكمية المنتجة هي ( 37,000 ) طن و يعود سبب هذا النقص إلى إرتفاع شدة الإصابة بديدان اللوز وإلى موجة الحرارة الزائدة التي إجتاحت المنطقة.
وفي الختام يمكن القول بأن إنتاج القطن في سورية هو عمل لا يهدأ ولا يعرف الحدود وقد توج بالعديد من النجاحات فإلى جانب نجاح إنتاجه عضويا فإننا نضيف نجاحات جديدة تحققت في إنتاج سلالات من الأقطان الملونة ( البني والأخضر) والتي تتميز بثبات الصفات اللونية والتكنولوجية والإنتاجية والتي إنتجت عن طريق إجراء التهجينات الرجعية مع الأصناف المحلية الجيدة, إضافة إلى نجحات في إنتاج سلالات مبشرة من الأقطان طويلة التيلة .