الدور الإقتصادي والبيئي للتنوع الحيوي الدقيق
- 17 December , 2011 -
- دراسات وبحوث بيئية, دراسات وبحوث زراعية
الدور الإقتصادي والبيئي للتنوع الحيوي الدقيق
الدكتور مجد جرعتلي
يطلق الباحثون على التنوع الحيوي الدقيق إسم ” التنوع الحيوي الخفي “، والذي يشمل أنواع عديدة تكاد لا تحصى. من الكائنات الحية الدقيقة التي تشمل ( البكتريا والخمائر والفطريات ) التي لا ترى بالعين إلا تحت المجهر،بالإضافة إلى اللافقاريات مثل الحشرات والعناكب وديدان الأرض، وكل هذه المخلوقات تسهم بدور كبير في النظم البيئية المترابطة والتي يعتمد عليها الإنسان في إنتاج المحاصيل الزراعية والأغذية وتربية الدواجن وإعادة تدوير العناصر المغذية في التربة، وتخمر العجائن والأجبان، وتساعد الحيوانات على هضم الأعلاف العسرة الهضم، والسلامة البيئية والصناعات الصحية كما أنها تستطيع بالإدارة الجيدة والمدروسة من خلال المكافحة الحيوية أن توفر حماية طبيعية ضد الآفات النباتية فى حقول المزارعين. وتشمل الكائنات الحية الدقيقة واللافقاريات الحشرات الملقحة للأزهار التي تلعب دورا كبيرا وهاما فهي تلقح المحاصيل والأشجار وتزيد من كمية المحصول , وهنالك أيضا ناقلات الأمراض والطفيليات والآفات التى تهاجم النباتات والحيوانات والتى تحمل الأمراض وتنشرها.
لا شك ان الكائنات الحية الدقيقة واللافقاريات لها أهميتها فى الزراعة وإنتاج الأغذية وللبيئة في العديد من الفوائد المباشرة والغير مباشرة . كما أن فهم قطاع التنوع الحيوي العالمي وإدارته ومعرفة دوره فى الزراعة وإنتاج الأغذية أمر له أهميته في البيئة و التنمية الزراعية المستدامة ككل. ولكن ومما يدعو للأسف، إنه حتى مع اكتشاف العلماء للأدوار والفوائد العديدة للكائنات الحية الدقيقة واللافقاريات، فإن هذا التنوع الحيوي الطبيعي يتآكل ويختفي ومنه قد تغير وراثيا بشكل أصبح فيه ضارا .وذلك بسبب العديد من العوامل مثل التغيرات التي تطرأ على إستخدام الأراضي وما يترتب عليه من اختفاء الموائل، وإستخدام المبيدات والأسمدة الكيميائية السامة ، وتغير المناخ وما ينجم عنه من ظهور أنواع غريبة وافدة، أدى إلى اضطراب توازن النظم الايكولوجية، كما اعترض طريق العديد من الخدمات الكثيرة والمفيدة التي تقدمها تلك الكائنات الحية الدقيقة واللافقاريات إلى الإنسان و النظم البيئية.
أهمية وفوائد الكائنات الحية الدقيقة واللافقاريات :
دور وأهمية الكائنات الحية الدقيقة :
يشمل التنوع الحيوي فى التربة الأعداد الكبيرة والنطاق الواسع للكائنات الدقيقة التي تشكل الجزء الحي من التربة والتي تلعب العديد من الأدوار الهامة والمفيدة والتي نعدد بعضا منها :
- تتفاعل فيما بينها ومع المزروعات نفسها.
- تعتبر المسؤولة عن تحلل المواد العضوية.
- تؤدي إلى زيادة حصول المزروعات على المواد الغذائية بصورة قابلة للإمتصاص .
- تساهم فى امتصاص التربة للكربون .
- تلعب دورا هاما في زيادة وتدوير المواد المغذية وزيادة الخصوبة وخاصة فى الأراضي الجرداء والأراضي المتدهورة.
- تلعب دورا هاما في زيادة تفكك المواد الضارة في التربة .
- تزيد من تهوية التربة وتنفس ونمو الجذور.
- تزيد من نشاط التنوع البيولوجى مما يساهم فى زيادة صحة التربة ويحسن ذلك من الإنتاج الزراعي.
دور وأهمية الحشرات الملقحة للأزهار:
تلعب الحشرات الملقحة للأزهار والتي تلقح أزهار الفواكه والخضار وباقي المحاصيل والأعلاف في العالم، دورا هاما في العديد من المجالات والتي نذكر بعضها فيما يلي :
- زيادة المحصول الزراعي.
- زيادة جودة المحصول الزراعي.
- إستدامة إنتاج البذور.
- تلعب دورا كبيرا في المكافحة الحيوية للآفات والحشرات الزراعية .
وتقدر القيمة الإقتصادية لتلقيح المحاصيل الزراعية في مختلف إرجاء العالم تفوق 200 مليار دولار سنويا ، وهو ما يمثل 9.5 في المائة من إنتاج العالم من الأغذية الزراعية للإستخدام البشري حسب إحصائية أجريت في عام 2005 م
ولكن وللأسف، ونتيجة للضغوط البيئية والإستخدام العشوائي والكثيف للمبيدات الحشرية الكيميائية السامة فإن عدد تلك الحشرات النافعة قد إنخفض كثيرا ومن الضروري مشاركة المجتمع العلمي في تحسين طرق صون هذه الملقحات وإدارته بلشكل التي يحفظها من الضياع.
دور الكائنات الحية الدقيقة في مكافحة الآفات والحشرات :
إن الكائنات الحية الدقيقة واللافقاريات والميكروبات والطفيليات وناقلات الأمراض تعتبر من الأعداء الطبيعيين للآفات والحشرات الزراعية.وإن إستخدام هذا التنوع الحيوي فى المكافحة الحيوية يعتبر من المكافحة الصديقة للبيئة فبمجرد التحكم في هذه الكائنات بشكل سليم ومدروس، يصبح لدى المزارعين القدرة على إنتاج الأغذية بشكل صحي وبكميات أقل من المواد الكيماوية لوقاية النباتات وحماية البيئة من التلوث. وأذكر هنا مثالا عن دور الكائنات الحية الدقيقة مكافحة الآفات والحشرات فقد خفضت الحكومة الاندونيسية الدعم السنوي الذي كانت تقدمه للمبيدات الحشرية السامة من 140 مليون دولار إلى لا شيء عندما اتبع المزارعون هناك طرق المكافحة الحيوية بإستخدام الحشرات المفترسة للتخلص من الآفات الحقلية.
دور الكائنات الحية الدقيقة في الصناعات الغذائية و الزراعية:
تستخدم الكائنات الحية الدقيقة على نطاق واسع فى الصناعات الغذائية و الزراعية عندما تستخدم فى عمليات التخمير وحفظ الأغذية. ولكن هذه المكونات التي لا غنى عليها فى إنتاج الأغذية تتعرض للتآكل الوراثي. فمع توحيد مواصفات المنتجات الغذائية، أصبح هناك ميل الى التركيز على عدد قليل من الأنواع المنتقاة التي تستخدم في اغلب المنتجات التجارية، بدلا من المحافظة على التنوع الوراثي الواسع.
ونذكر بعض المبادرات من بين المبادرات القطرية والمحلية والناجحة فى إثبات انه من الممكن زيادة إنتاج الأغذية بمساعدة الكائنات الحية الدقيقة واللافقاريات، فقد لاحظ المزارعين فى كولومبيا أن بإمكانهم المساعدة فى زيادة أعداد الملقحات بالمحافظة على أنماط متنوعة لإنتاج المحاصيل فى مزارعهم . فالجمع بين محاصيل مختلفة ، وحدائق منزلية ، ونظم للزراعة المختلطة بالغابات يوفر موائل متعددة و مناسبة للنحل وغيرها من الحشرات الملقحة في المزارع . وأصبح من المهم الآن زيادة هذا النمط من المبادرات وزيادة الوعى بأهمية الملقحات والفوائد الأخرى للكائنات الحية الدقيقة واللافقاريات ، بحيث لا تستمر عناصر التنوع الحيوي هذه فى اإختفاء يوما بعد يوم من الحقول الزراعية والصناعات الزراعية. ومن المهم معرفة أساليب الإدارة الزراعية الجيدة وتكرارها، وتحسين التخطيط القطري والمشاركات الدولية.
أهمية جمع وتخزين التنوع الحيوي :
على غرار ما قامت المعاهد الوطنية والمنظمات الدولية بالإشراف على جمع التنوع الوراثى للمحاصيل الزراعية وعمل فهارس وكتالوجات لهذا التنوع فى بنوك البذور، قامت بعض المؤسسات والباحثين بعمل مجموعات للتنوع الوراثى فى الكائنات الحية الدقيقة واللافقاريات، سواء تلك المفيدة أو تلك الضارة بالزراعة وصناعة الأغذية. ومع ذلك، فإن هذه المجموعات قامت إلى حد كبير بمعرفة علماء التربة وعلماء النبات، وعلماء الصفات الوراثية فى الحيوانات، وغيرهم من الأخصائيين فى مجال الزراعة أو الأغذية ، كل منهم باستقلال عن الأخر، من أجل تدعيم جوانب محددة فى عملهم. فأغلب البلدان لا تملك أطرا أو مناهج لنظام كامل لجمع المواد الوراثية وعمل كتالوجات لها وتخزينها، أو لتقدير وتقييم تأثيرها فى مختلف مراحل سلسلة الأغذية. فالأمر بحاجة إلى جمع هذه المواد بشكل تعاونى أكبر وإلى تخطيط استراتيجي لمعالجة الثغرات وتلبية الاحتياجات، من أجل ضمان صون الكائنات الحية الدقيقة وتوافرها على المدى البعيد.
دور المنظمات الدولية في حماية الكائنات الحية الدقيقة واللافقاريات:
تمتلك منظمة الأغذية والزراعة تاريخ طويل من العمل التقني الذى أثبت أهمية الكائنات الحية الدقيقة واللافقاريات فى مجال الأغذية والزراعة، مثل المكافحة البيولوجية من خلال المكافحة المتكاملة للآفات. كما سهلت المنظمة وتعاونت مع مبادرتين عالميتين تتعلقان باتفاقية التنوع البيولوجي، وهما المبادرتان اللتان تم اتخاذهما إقراراً بالخدمات الأساسية التى يقدمها الكائنات الحية الدقيقة واللافقاريات على امتداد جميع نظم الإنتاج ، وهما:
- المبادرة الدولية لصون الملقحات واستخدامها بصورة مستدامة.
- المبادرة الدولية لحفظ التنوع البيولوجى للتربة واستخدامها المستدام.
كما تتعاون العديد من المنظمات الشريكة مع المنظمة فى هاتين المبادرتين الهامتين.
وتقوم المنظمة حاليا بوضع خطة إستراتيجية شاملة ، بدعم من هيئة الموارد الوراثية للأغذية والزراعة، للإدارة المستدامة للكائنات الحية الدقيقة و اللافقاريات، مستفيدة في ذلك من المبادرات الموجودة بالفعل . وكجزء من برنامج عمل الهيئة المتعدد السنوات، سوف تركز الجهود المنسقة أولا على تجميع صورة شاملة للوظائف والخدمات المتنوعة التي تقدمها الكائنات الحية الدقيقة و اللافقاريات للزراعة المستدامة ولجودة إنتاج الأغذية. فهذه المعلومة لن تزيد من الوعي بفائدة هذا القطاع المهمل من التنوع البيولوجي في الزراعة فحسب، بل ستخلق وتعزز الشراكات وتيسر استخدام البلدان للأدوات التي أعدتها المنظمة وشركاؤها، لتحسين تطوير السياسات والخطط الوطنية المتعلقة بالكائنات الحية الدقيقة واللافقاريات.