الزراعةٌ الذكية وتحديات الطاقة ضماناً لمستقبل غذائيّ آمن
- 7 December , 2011 -
- دراسات وبحوث بيئية, دراسات وبحوث زراعية
الزراعةٌ الذكية وتحديات الطاقة ضماناً لمستقبل غذائيّ آمن
الدكتور مجد جرعتلي
يحتل قطاع إنتاج الغذاء بما في ذلك ” تصنيع المدخلات، والإنتاج، والمعالجة، والنقل، والتسويق، والإستهلاك “ ما يُعادل 30% من إستهلاك الطاقة العالمي، يينما يَنتُج عنه أكثر من 20 % من الغازات المسبِّبة للإحتباس الحراري.
فهل تنجح الزراعة الذكية بخفض إستهلاك الطاقة وخفض إنبعاث الغازات ؟؟؟
وهل ننجح في الفصل بين أسعار المواد الغذائية المتقلّبة وأسعار الوقود الأحفوري المتصاعدة ؟؟؟
لقد عرضت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “FAO” منذ أيام ورقة عمل للتدليل على أن النظام العالمي لإنتاج الغذاء لا بد أن يخفِّض إعتماده على الوقود الأحفوري إذا كان له أن يغطّي الاحتياجات الغذائية لسكان العالم المتزايدين عدداً.
وذكرت المنظمة في تقريرها المعنون “الغذاء الذكي الإستهلاك للطاقة في خدمة السكان والبيئة” أن هنالك دواعٍ مبرَّرة للقلق من أنّ الاعتماد الراهن لقطاع إنتاج الغذاء على الوقود الأحفوري قد يحدّ من قابلية القطاع لتلبية مطالب الغذاء العالمية. وقالت ورقة العمل المطروحة للنقاش على مؤتمر الأمم المتّحدة المعني بالغذاء والطاقة، والذي أنعقد بمدينة دوربان في جنوب إفريقيا، والذي أصدرته بالتزامُن مع المؤتمر أنّ “التحدّي الماثل يكمن في الفصل بين أسعار المواد الغذائية المتقلّبة وأسعار الوقود الأحفوري المتصاعدة”.
وتؤكد المنظمة “فاو” أن الأسعار المرتفعة والمتقلّبة للوقود الأحفوري والشكوك في توافره بسهولة مستقبلاً عوامل تؤشِّر باتجاه أن النُظم الزراعية لإنتاج الغذاء يجب أن تنتقل إلى نموذج “الاستهلاك الذكي للطاقة”.
ويتطلَّب كلا قطاعي الغذاء والطاقة إنتاجهما المشترك، ولذا فأن انتهاج نَهجٍ ذكيّ الاستهلاك للطاقة في الحالتين سيفضي إلى الإفادة الأعلى كفاءةً من مثل هذه العلاقة الثنائية بين الطاقة والغذاء ومن قدرات القطاعين.
وكما ذكرنا فإن قطاع إنتاج الغذاء يحتل بما في ذلك تصنيع المدخلات، والإنتاج، والمعالجة، والنقل، والتسويق، والاستهلاك نحو 95 إكساجول ( (1018 جول، أي ما يُعادل 30 بالمائة من استهلاك الطاقة العالمي، يينما يَنتُج عنه أكثر من 20 بالمائة من الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري.
ويبلغ استهلاك الطاقة المباشرة في النشاط الزراعي نحو 6 إكساجول سنوياً، وباستثناء الطاقة المستمدة من البشر والحيوان، فأن نصف ذلك يتركَّز لدى بُلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “OECD”.
وتستخدَم الطاقة في النشاط الزراعي لضخّ المياه، وإيواء الماشية وزَرع المحاصيل وحصدها، وتدفئة المحاصيل المحمية، والتجفيف والخزن في مرحلة ما بعد الحصاد، كما توظَّف في عمليات المعالجة، والتغليف، والتخزين والنقل والاستهلاك.
ولقد أوضح الخبير ” ألكساندر مولير” المدير العام المساعد لقسم البيئة والموارد الطبيعية، لدى المنظمة “فاو”
بأن “قطاع الغذاء العالمي يجب أن يكتسب مزيداً من الحكمة في استعمال الطاقة. وفي كلّ مرحلة من سلسلة الإمدادات الغذائية، وفي تكييف الممارسات الحالية لكي تصبح أقل كثافةً في استهلاكها للطاقة”.
ومثل هذه المكتسبات في الكفاءة بالوسع أن تتحقَّق في أغلب الأحيان بفضل تعديل عديم التكلفة أو بتكلفةٍ طفيفة لأساليب وممارسات العمليات الزراعية والإنتاج والمعالجة والتي بإمكانها جميعاً أن تُساهم في خفض مجمل استهلاك الطاقة في القطاع الغذائي والتي تقسم إلى مرحلتين أساسيتين هما :
1- مرحلة العمليات الزراعية في المزرعة :
• إستعمال محرّكات الوقود ذات الكفاءة العالية.
• إستخدام السماد العضوي والأسمدة الدقيقة.
• مراقبة دقة وكفاءة الريّ وتوصيل المياه المستخدمة.
• إعتماد أساليب الزَرع بلا عزق.
• الإعتماد على الأنواع الزراعية والسلالات الحيوانية الأقل استهلاكاً للمُدخلات.
2- مرحلة ما بعد الحصاد :
• رفع كفاءة عمليات النقل.
• تحسين كفاءة البُنى التحتية.
• تحسين العزل في مرافق مخازن الغذاء.
• خفض متطلّبات التغليف للمواد الغذائية والحدّ من الهدر.
• إستخدام أدوات طهيٍ أعلى كفاءةً في إستهلاك الطاقة.
وتشكل كِلا الخسائر على مستوى المَزرعة وما بعد الحصاد نسبة عالية والتي تبلغ نحو ثُلث الغذاء المنتَج بأسره وما ينطوي عليه من استهلاكٍ للطاقة يتعرَّض للهدر أو الخسارة.
الخطوات العملية لتقليص إعتماد الزراعة الذكية على الوقود الأحفوري:
يمتلك القطاع الزراعي إمكانيات كبيرة كامنة في إتاحة مزيدا من الطاقة التي لا تعتمد على الوقود الأحفوري والتي نحن بأشد الحاجة إليها لإطعام سكان الكوكب ودفع عجلة التنمية الريفية.وفيما يلي نذكر أهم الخطوات العملية التي تتبناها ” الزراعة الذكية ” بهدف تقليص الإعتماد على الوقود الأحفوري:
• إستخدام موارد الطاقة المحليّة المتجدّدة على طول سلسلة إنتاج الغذاء .
• تنويع العائدات من معالجة المنتجات الغذائية والزراعية.
• تجنُّب مقتضيات التخلّص من النفايات.
• خفّض الاعتماد على الوقود الأحفوري والغازات المسؤولة عن الاحتباس الحراري.
• المساعدة في بلوغ أهداف التنمية المستدامة وإستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والطاقة المائية، والطاقة الحرارية الأرضيّة أو موارد طاقة الكتلة العضوية كبديلٍ للوقود الأحفوري في الزراعة واستزراع الأسماك.
• الإستفادة من النفايات العضوية للمزارع أو مصانع إنتاج الغذاء في توليد الطاقة.
• تقليص فاقد الغذاء.
إن كافة الشروط السابقة تهدف إلى تحسين وترشيد استخدامات الطاقة على امتداد سلسلة المنتجات الزراعية الغذائية. ومن الضروري أيضا تحسين إتاحة خدمات الطاقة الحديثة للملايين من السكان الذين ماز الوا يعتمدون على حرق الكتلة العضوية بوسائل غير تقليدية وإن كانت غير مُعتَمَدة كطاقة للطهي والتدفئة.
الجهود الدولية الهادفة إلى الإنتقال إلى القطاع الزراعي الذكي ؟
ترجِّح منظمة “فاو” أن المرحلة الإنتقالية إلى قطاعٍ زراعي ذكيّ الإستهلاك للطاقة هو “مهمّة هائلة” ستتطلّب تخطيطاً طويل الأمد، يجب أن يبدأ من الآن. ولقد طرحت وكالة الأمم المتحدة المختصة بالغذاء والزراعة في غضون محادثات المناخ بمدينة دوربان، مساراتٍ ثلاثية تحقيقاً لهذا النَهج، على النحو التالي:
• أولاً: تحقيق تعميم موارد الطاقة بالتركيز على المجتمعات الريفية.
• ثانياً: النهوض بترشيد استهلاك الطاقة في كلّ مراحل سلسلة الإمدادات الغذائية.
• ثالثاً: مواصلة الاستعاضة عن الوقود الأحفوري بنظم الطاقة المتجدّدة في قطاع إنتاج الغذاء.
وفي الختام أنهي مقالتي بما قاله خبير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ” ألكساندر مولير ” :
”السؤال الرئيسيّ في المتناول ليس إذا أو متى يجب أن نبدأ بالانتقال إلى نُظـم الغذاء الذكيّة الإستهلاك للطاقة؟’
ولكن بالأحرى كيف نبدأ ونُحرز تقدُّماً تدريجياً ومُطّرِداً في هذا النَهج ؟”.