الإنتاج الزراعي الصحي بدون مبيدات حشرية سامة ؟

ps1

الإنتاج الزراعي الصحي بدون مبيدات حشرية سامة ؟

الدكتور مجد جرعتلي

هل يمكن إنتاج محاصيل زراعية أكثر ومداخيل مالية أعلى بدون إستخدام المبيدات الحشرية السامة ؟

قد يبدو الإنتاج الزراعي بدون إستخدام المبيدات الحشرية الكيميائية السامة عملا مستحيلا للعديد من الأشخاص الذين يعملون في الزراعة ؟ ولكن لم يعد هذا الأمر مستحيلا أو حتى صعبا عندما تكون لدينا القناعة بأن تلك السموم التي نستخدمها في قتل الآفات والحشرات سوف تعود إلينا عاجلا أم أجلا من خلال غذاؤنا وماؤنا مسببة لنا العديد من الأضرار الصحية الكبيرة ؟
ومن خلال مقالتي هذه أريد أن أذكر بعضا من التجارب الناجحة والتي شارك بها ألاف المزارعون من دول مختلفة في غرب أفريقيا والتي برهنت على أنه يمكن أن نحصل على محاصيل زراعية صحية أكثر ومداخيل مالية أعلى وبدون إستخدام المبيدات الحشرية السامة والتي شكلت عبئا كبيرا على صحة الإنسان والبيئة ؟

لقد نجح المزارعون في غرب أفريقيا في التقليل الكبيرمن الإعتماد على مبيدات الحشرات و الآفات السامة، وفي الوقت نفسه نجحوا في زيادة حجم المحاصيل المنتجة وبالتالي زيادة دخلهم المالي  بفضل مشروع دولي بدأ منذ عام 2010 هدف إلى تعزيز الإعتماد على الممارسات الزراعية المستدامة. ولقد  شارك بهذا المشروع نحو مائة ألف مزارع في كل من الدول التالية ” بنين وبوركينا فاسو ومالي والسنغال ” في والذي نفذته ” منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة” من خلال إطار البرنامج الانتاجي الإقليمي في الإدارة المتكاملة للآفات في غرب القارة الأفريقية.

ولقد عمل أصحاب الأراضي الزراعية الصغيرة ضمن مجاميع تعرف بأسم ” المدارس الحقلية للمزارعين ” على تطوير وإعتماد ممارسات زراعية جيدة وذلك عن طريق التدريب على التجارب القابلة للتعليم والتطبيق والتي تهدف إلى إنتاج محاصيل سليمة من خلال إعتماد برنامج الإدارة  المتكاملة للآفات من خلال العمل على مايلي :
•    تحسين وتخصيب التربة.
•    إعتماد البدائل عن المبيدات الكيمياوية مثل إستخدام المكافحة الحيوية بإستخدام الحشرات النافعة
•    تكييف الأصناف المزروعة المتنوعة.
•    الإعتماد على المبيدات العضوية والأساليب الزراعية الطبيعية.
•    إعتماد المسائل المتعلقة بتسويق الأغذية وسلامتها.

ولقد صرح أحد كبار الفنيين في منظمة ” فاو” السيد وليام سيتل أن الإتجاه في غرب أفريقيا يميل خلال العقود الأخيرة نحو الإعتماد المتزايد على مبيدات شديدة السمية مع المحاصيل ذات القيمة الأعلى والمروية في كثير من الأحيان. وفي رأيه أن هناك نقص عام في المعرفة في المنطقة بشأن التأثيرات السلبية للمبيدات على الإنتاج والإقتصاد وصحة المجتمعات المحلية والبيئية.

وقال ايضاً “أن بناء القدرات على مستوى المجتمع هو الحل لتكثيف الإنتاج المستدام من الأغذية بما يُسهم في دعم الأمن الغذائي وتحسين مستوى المعيشة في المنطقة. وفي رأيه يعد ذلك بمثابة خطوة هامة على طريق تحقيق أول هدف من الأهداف الإنمائية للألفية للحد من الجوع والفقر.

 ولقد شملت التجارب الحقلية بشكل نموذجي على مدرب يقوم بالإشراف على مجموعة من 25 مزارعاً تقريباً وذلك بإعداد قطعتي أرض في قرية تابعة للمزارعين أنفسهم ، الأولى تعتمد الطرق الزراعية التقليدية المحلية والأخرى تعتمد أفضل الممارسات المناسبة للمحصول والموقع حسب برنامج الادارة المتكاملة للآفات ، ومراقبة النتائج المتحققة ومقارنتها ما بين قطعتي الأرض المذكورتين .

وقد جرى تدريب أكثر من ألفي شخص يمثلون عشرات المنظمات الحكومية المحلية والقطاع الخاص والمجتمع المدني على طرق دعم المزارعين في تطبيق الأساليب الزراعية المستدامة.

وفي جمهورية مالي، شملت الدراسة 65 قرية خاصة بمزارع القطن كان قد تم تدريب مزارعيها في الفترة 2007-2008 عن إنخفاض بنسبة 94 في المائة في إستخدام المبيدات الكيماوية وزيادة بنسبة 400 في المائة في إستخدام المواد العضوية مثل الروث والسماد الطبيعي وثمة مواد بإمكانها أن تنقص نسبة الهبوط في خصوبة التربة.

وفي بوركينا فاسو، أسهم برنامج الإدارة المتكاملة للآفات في زيادة حجم الغلال ما بين 14 و 70 في المائة ، حيث جرى تدريب نحو 1600 مزارع للقطن في إطار المشروع ومن المتوقع أن يكون قد تضاعف ذلك العدد مع نهاية العام 2011.

وتشيرالبيانات الواردة من السنغال ومالي على حصول تراجع بنسبة 90 في المائة من حيث الإعتماد على المبيدات الكيماوية في أوساط المزارعين في أعقاب سنة الى سنتين من التدريب.

وفي السنغال تحول المزارعون أيضاً الى إستخدام المبيدات النباتية العضوية والحيوية. ويُشكل الإعتماد المتزايد من جانب المزارعين على المواد العضوية مثل الروث وقش الأرز أحد أبرز النتائج المثيرة للبرنامج المشار إليه أعلاه.

إعتماد الإدارة المتكاملة للآفات في إنتاج القطن:
يُعد إنتاج القطن أحد أسوأ المحاصيل المزروعة تأثيرا على البيئة مقارنة بأي محصول في المنطقة وذلك بسبب الآثار المترتبة على التربة والإعتماد المفرط على المبيدات الكيميائية السامة .

وبسبب ذلك تم إختيار برنامج الادارة المتكاملة للآفات ، مع المزارعين لتكثيف نظم الإنتاج من القطن بصورة مستدامة وذلك بتعزيز زيادة الإنتاج عن طريق :
•    الإعتماد على إستخدام الأسمدة العضوية الطبيعية.
•    زراعة المحاصيل البقولية المغطاة.
•    إستخدام البذور المحسنة.
•    إعتماد تقنيات الإدارة الحديثة المتكاملة للآفات.
وكما قام المزارعون بتنويع إستخداماتهم للحبوب والمحاصيل التي تسهم في تحسين وتخصيب التربة كالمحاصيل البقولية والأعلاف التي يمكن تغذية الحيوانات بها أو بيعها في الأسواق المحلية.

كما تضمن أيضاً برنامج الادارة المتكاملة للآفات في مراقبة مستويات بقايا المبيدات في عينات من المياه تؤخذ من عدة مواقع في ستة بلدان من غرب أفريقيا من على طول الأنهر في كل من ( النيجر والسنغال ). و البرنامج المشار إليه أعلاه تم بالشراكة مع جامعة ولاية اوريغون الأمريكية، بهدف بناء قدرات المختبرات المحلية للكشف عن المبيدات في المياه.

ولقد جرى تمويل المرحلة الثانية من ” مشروع برنامج الإنتاج المتكامل في إدارة المبيدات ” والبالغة كلفتها 9,5 مليون دولار في كل من الدول ” بنين , بوركينافاسو , مالي , السنغال ” من قبل الحكومة الهولندية . ومن شأن العوائد الإقتصادية الصافية أن تغطي بسهولة تكاليف المشروع خلال فترة تنفيذ المشروع، فضلاً عن المزايا غير الإقتصادية متعددة الجوانب على صحة المجتمعات والتربية والتعليم بالإضافة الى البيئة.

ولقد حظي هذا البرنامج بدعم مالي من ادارة مصلحة البيئة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وكذلك الإتحاد الأوروبي واسبانيا. وحسب مصادر المنظمة فأن تأمين تلك الموارد من شانه أن يمكن نحو نصف مليون مزارع من التدرب في غضون السنوات الخمس المقبلة بكلفة تقدر ما بين 30 الى 40 مليون دولار.

وفي الختام يمكن القول بأن تلك التجارب التي ذكرتها عن نجاح الإنتاج الزراعي النظيف في غرب أفريقيا والتي أتمنى أن تتحقق في دولنا العربية قد أثبتت دون شك أنه يمكن للمزارع  أن ينتج محصولا صحيا ونظيفا دون إستخدام المبيدات الكيميائية السامة , وهو أمرا يمكن تحقيقه بسهولة عندما تتواجد الإرادة والقرار بالإضافة إلى الوعي الذي كشف مدى خطورة تلك السموم على صحة الإنسان وباقي الكائنات الحية والبيئة معا ؟