المحاصيل المعدلة وراثيا بين مؤيد ومعارض

الدكتور مجد جرعتلي

شهدت الزراعة في العشر سنوات الأخيرة تطورات وإنجازات علمية كبيرة وخاصة في مجال الهندسة الوراثية وكان أحد أهم تلك الإنجازات هو إنتاج المحاصيل المعدلة وراثيا والتي أثارت نقاشا حادا بين كافة الأوساط الرسمية أو المدنية في مختلف أنحاء العالم. وقد شملت تلك المناقشات كافة المجالات العلمية والاقتصادية بين مؤيد ومعارض.

وفي مقالتي هذا أحاول إلقاء الضوء وبشكل مختصر على المحاصيل المعدلة وراثيا وعن فوائدها وأضرارها.

 في عام 1994 تم إنتاج أول محصول غذائي معدل وراثيا في العالم وهو البندورة  ومنذ ذلك الحين ازداد إنتاج المحاصيل المعدلة وراثيا بمقدار 20ضعفا.
فقد زادت المساحة المنزرعة من 1،7 مليون هكتار في عام1996 إلى 11 مليون هكتار عام 1997 ، وأصبحت 44،2 مليون هكتار عام  2000 ، ثم تعدت 52  مليون هكتار عام   2001, والأرقام إلى عامنا هذا في ازدياد كبير. وتعتبر معظم الأبحاث التي تم إجراؤها على النباتات المعدلة وراثيا قد تمت في الدول المتقدمة وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية  ودول غرب أوربا، وحديثا بدأت بعض الدول النامية في تنمية قدراتها في مجال تقنية الهندسة الوراثية.

خارطة تظهر توزع المساحات المزروعة بالمحاصيل المعدلة وراثيا في العالم

خارطة تظهر توزع المساحات المزروعة بالمحاصيل المعدلة وراثيا في العالم

النباتات المعدلة وراثيا:
تعرف المحاصيل المعدلة وراثيا بأنها النباتات التي تحتوي على مورث واحد أو العديد من المورثات والتي تم إدخاله لها بطرق الهندسة الوراثية ، وهذا المورث الذي تم إدخاله (المورث المنقول) يتم الحصول عليه من نبات ذو قرابة وراثية أو يختلف تماما عن النبات المراد تحسينه (النبات المستهدف) ، والذي يطلق عليه النبات المعدل وراثيا ويتم هذا العمل ضمن مخابر التقانة الحيوية .

أهم الميزات الفنية لتقنية إنتاج المحاصيل المعدلة وراثيا:

  1. تمكن هذه الطريقة من تجميع العديد من الصفات الوراثية المرغوبة في نبات واحد, حيث تؤخذ تلك الصفات من نباتات متنوعة ولا تقتصر على الأنواع القريبة وراثيا للنبات المستهدف.
  1. تتميز تلك الطريقة بالوصول إلى الهدف المرغوب في وقت قصير أي اختصار الوقت الكبير الذي يلزم للتهجين النباتي بالطرق الاعتيادية ( التلقيح الخلطي) وغبرها من طرق التهجين.
  2. تمكن تلك التقنية من إنتاج محاصيل ذات مواصفات خاصة كالزيادة في الإنتاج والمقاومة ضد الحشرات والآفات.

طرق إنتاج المحاصيل المعدلة وراثيا :

يتم إنتاج المحاصيل المعدلة وراثيا عن طريق عملية تعرف بالهندسة الوراثية ضمن شروط خاصة ودقيقة في مخابر التقانة الحيوية أو مخابر زراعة الخلايا والأنسجة النباتية  وبعدة طرق نذكر أهمها:

طريقة القذف الجيني:

تتم باستخدام جهاز يسمى قاذف ( المورث ) حيث يحاط  المورث  بجزيئات دقيقة ، ثم تقذف تلك الجزيئات إلى الخلايا النباتية المستهدفة.

طريقة الإدخال البكتيري:

تتم باستخدام بكتيريا خاصة تقوم على إدخال ( المورث) المختار إلى الخلايا النباتية المستهدفة.

طريقة الدمج الخلوي:

تتم من خلال عملية الدمج الخلوي الذي يجمع المورثات المرغوبة لصنفين مختلفين.

الفوائد الإقتصادية للمحاصيل المعدلة وراثيا:

أدى استخدام المحاصيل المعدلة وراثيا في الدول المتقدمة إلى العديد من الفوائد الإقتصادية  نذكر فيما يلي أهمها:

  • الإنتاجية العالية للمحصول المعدل وراثيا.
  • خفض التكاليف الزراعية لإنتاج المحاصيل المعدلة وراثيا.
  • زيادة أرباح المحصول المعدل وراثيا مقارنة بالمحصول العادي.
  • إنتاج محاصيل مقاومة للحشرات والآفات الزراعية ومبيدات الأعشاب.
  • تحسن الظروف الصحية والبيئية نتيجة انخفاض إستهلاك الأسمدة و المبيدات الحشرية الكيميائية المكلفة والملوثة للبيئة.
  • رفع الكفاءة الغذائية للمحاصيل المنتجة (رفع نسبة البروتين ,الزيت , النشاء…).

أمثلة للمنتجات الزراعية المنتجة بواسطة تقنية التعديل الوراثي:

  • -    إنتاج  صنف من البطاطس ذات نسبة عالية من النشاء.
  • -    إنتاج  صنف من البطاطس المقاومة للحشرات والأمراض الفيروسية الخطيرة.
  • -    إنتاج أصناف من القطن و الذرة المقاومة للحشرات ومبيدات الأعشاب.
  • -    إنتاج أصناف من الذرة لها القدرة على مقاومة الحشرات ومنها قادر على النمو في ظروف بيئية فقيرة.
  • -    إنتاج زيوت آمنة على الصحة مستخلصة من فول الصويا والكانولا.
  • -    إنتاج صنف من الأرز غني بالحديد وفيتامين ( أ ).
  • -    إنتاج صنف من الذرة يحتوى على نسبة عالية من حمض الأوليك وهو من الأحماض الدهنية الأحادية غير المشبعة والصحية .
  • سلبيات ومخاطر المحاصيل المعدلة وراثيا:

تعتبر تقنية إنتاج المحاصيل المعدلة وراثيا من التقنيات الحديثة، وذات سلبيات ومخاطر محتملة ومنها على سبيل المثال:

  • إمكانية انتقال الجينات من النباتات المعدلة وراثيا إلى الإنسان أو الحيوان.
  • إمكانية انتقال الجينات من النباتات المنزرعة المعدلة وراثيا إلى الأصناف البرية لنفس النبات.
  • احتمال زيادة مقاومة الآفات للسموم المنتجة من النباتات المعدلة وراثيا .
  • إمكانية تأثير تلك السموم في النباتات المعدلة وراثيا على كائنات حية غير مستهدفة.
  • إمكانية أن تسبب تلك المحاصيل مشاكل في الحساسية.
  • فقدان الطعم والرائحة الأصلية للعديد من المحاصيل المنتجة بطرق التعديل الجيني.

ومن هذه المخاطر تأتي أهمية إصدار تشريعات ولوائح صارمة ومنظمة للمحاصيل المعدلة وراثيا، والتي بدورها تجنب أو تخفف من حدة تلك المخاطر, بالإضافة إلى تحديد المسئولية التي تقع على عاتق العاملين في تلك التقانة وأيضا المتعاملين معها كالمنتجين والمستوردين والحكومات التي يتوجب عليها مراقبة وفحص كل المنتجات التي تدخل إلى أراضيها ، وتهدف كل هذه المسؤوليات إلى تقديم غذاء آمن على صحة المجتمع وسلامة البيئة.

ولقد حدد( بروتوكول كارتاجينا للأمان الحيوي) الذي أنعقد في كولومبيا وأختتم في كندا في عام 2000م أسس التداول بالكائنات الحية المعدلة وراثيا وهو بروتوكول قانوني ملزم ، والذي تمت الموافقة عليه بالإجماع في حضور 135 دولة, ولقد عرف ببروتوكول الأمان الحيوي والذي ينص على:

  • مساعدة الدول النامية في بناء كيان تدار من خلاله التقنية الحيوية الحديثة.
  • إجراء إتفاق إعلامي مسبق يقوم به المصدرين للسلع المعدلة وراثيا يدعون فيه الدول المستوردة للموافقة قبل إدخال أول شحنة من الكائنات الحية المعدلة وراثيا إلى البيئة.
  • إنشاء شبكة معلومات على أساس “تبادل المعلومات عن الأمان الحيوي” لمساعدة الدول على تبادل المعلومات العلمية والفنية والبيئية والقانونية الخاصة بالكائنات الحية المعدلة وراثيا”.
  • ضرورة وجود وثيقة مرفقة مع الشحنات كبيرة الحجم المحتوية على سلع معدلة وراثيا بحيث توضح أن تلك الشحنات “قد تحتوى على” كائنات معدلة وراثيا وليس هناك “نية لإدخالها دوليا إلى البيئة”.

كما قررت العديد من الدول المتقدمة بإنشاء قواعد خاصة ببطاقة المواصفات للمنتجات المعدلة وراثيا وخاصة على الأغذية مع إيضاح صفات وتركيب هذا الغذاء, و تهدف كل هذه الاحتياطات إلى”المساهمة في توفير القدر الكافي من الحماية عند إنتقال وتداول وإستخدام الكائنات الحية المعدلة وراثيا عبر الحدود والتي قد يكون لها تأثير معاكس على حماية التنوع الحيوي والبيئة، والعديد من المخاطر المحتملة على صحة الإنسان .