ندرة وتدهور الأراضي والمياه تهديدٌ مُتعاظِم للأمن الغذائي
- 21 December , 2011 -
- مقالات منوعة مختارة
نُدرة وتدهور الأراضي والمياه تهديدٌ مُتعاظِم للأمن الغذائي
تقريرٌ رئيسي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “FAO”
يستعرض حالة الموارد الطبيعية العالمية كأساسٍ للإنتاج الغذائي
تواجه النُظم الرئيسية لإنتاج الغذاء في العالم خطراً ماثلاً في تدهور موارد الأراضي والمياه على نطاقٍ واسع وتفاقُم ندرة تلك الموارد على نحوٍ يطرح تحدياتٍ ذات تبعات بعيدة المدى في الجهود المبذولة لتلبية احتياجات العالم الغذائية بحلول عام 2050 حين يتوقَّع يصل عدد سكان المعمورة إلى 9 مليارات نسمة، وفق تقريرٍ جديد رئيسي أصدرته اليوم منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “FAO”.
ويورد التقرير المعنون “حالة موارد الأراضي والمياه في العالم لأغراض الغذاء والزراعة” أن السنوات الخمسين الأخيرة شهدت زيادات بمقدار ثلاثة أضعاف في إنتاج الغذاء”، مضيفاً “لكن هذه الإنجازات تحقّقت في كثيرٍ من المناطق لارتباطها بممارسات إدارةٍ أدّت إلى تدهور النظم الطبيعة للأراضي والمياه التي يعتمد عليها الإنتاج الغذائي ذاته”.
واليوم يواجه عددٌ من تلك النظم، وفقاً لتقرير المنظمة “فاو”، خطر “التقويض التدريجي لقدراته الإنتاجية تحت طائلة جملة من الضغوط الديموغرافية المفرطة والاستخدامات والممارسات الزراعية غير المستدامة”.
وتنطبق هذه الوضعية على جميع الأقاليم حول العالم من مرتفعات الأنديز إلى سهول آسيا الوسطى،و من حوض نهر “ماري دارلينغ” الأسترالي إلى المناطق الوسطى من الولايات المتّحدة الأمريكية.
النظم الزراعية التي تواجه خطراً:
ويحذِّر تقرير المنظمة “فاو” من أن تناقُص الموارد الطبيعية سيُفاقِم مثلاً من حِدة التنافس بين القطاعات الحضرية والصناعية، إلى جانب القطاع الزراعي وفي إطاره بين قطاعات إنتاج الماشية والمحاصيل الرئيسيّة، والمحاصيل غير الغذائية، ومتطلبات إنتاج الوقود الحيوي.
وكنتيجة لذلك فأن تحدّيات توفير غذاءٍ كافٍ لسكان الكوكب المقدَّر أن يزدادوا عدداً وجوعاً لم تبلغ قَط من قبل خطورتها الراهنة، وفق تقرير المنظمة “فاو” وخصوصاً لدى البُلدان النامية، حيث تشح المياه وتتناقص موارد الأراضي الجيدة ومغذيات التربة.
ويقول المدير العام للمنظمة جاك ضيوف أن “تقرير حالة موارد الأراضي والمياه في العالم أبرز أن التأثير الجماعي لهذه الضغوط والتحوّلات الزراعية الناجمة عن ذلك إنما تُعرِّض بعض نُظُم الإنتاج إلى خطر تقويض سلامتها البيئية وقدراتها الإنتاجية. وهذه النظم المهددة قد لا تكون قادرةً ببساطة على المساهمة على النحو المتوقّع في تلبية المطالب البشرية بحدود عام 2050. أمّا العواقب بمقاييس الجوع والفقر فغير مقبولة… ولذا فالمتعين اتخاذ الإجراءات العلاجية بدءاً من الآن”.
علامات تحذير
خلال الفترة بين عامي 1961 و2009، نمت رقعة الأراضي المحصولية في العالم بحدود 12 بالمائة، لكن الإنتاج الزراعي إرتفع بمعدل 150 بالمائة، بفضل الزيادات الهامّة في إنتاج المحاصيل الرئيسية.
غير أن إحدى “علامات التحذير” التي أطلقها التقرير تتمثل في أنّ معدّلات نمو الإنتاج الزراعي تتباطأ في العديد من المناطق وقد مسّت اليوم نصف مستوياتها فعلياً خلال أوج إنتاج الثورة الخضراء.
وعموماً، يرسم التقرير صورة عالم يواجه عدم توازنٍ مُتزايد بين الوفرة والطلب على الأراضي وموارد المياه، على المستويات المحليّة والوطنية، بينما يزداد عدد المناطق التي تبلغ حدود طاقتها الإنتاجية القصوى بسرعة كبيرة.
رُبع أراضي العالم مُتدهورة
يورد تقرير حالة موارد الأراضي والمياه في العالم لأغراض الغذاء والزراعة في أول سابقةٍ إحصائية، تقييماً عالمياً لحالة موارد الأراضي على ظهر الكوكب، ليكشف عن أن رُبع المجموع العام يعاني من التدهور إلى حدٍ بعيد، بينما يعاني 8 بالمائة تدهوراً معتدلاً و36 بالمائة يواجه تدهوراً طفيفاً أو هو في حالةٍ مستقرة. وثمة 10 بالمائة من المجموع يُصنَّف في حالة “تحسّن”. أما الحصص الباقية لسطح الأرض فإمّا هي مكشوفة بلا غطاء من التربة (نحو 18 بالمائة) أو تغطّيها أجسام مائية داخلية (نحو 2 بالمائة). (تتضمّن هذه الأرقام جميع أنواع الأراضي وليس الأراضي الزراعية وحدها).
ويشتمل تعريف المنظمة “فاو” على التدهور الذي يمتدّ إلى ما وراء نوعية المياه والتربة في حد ذاتهما، ليغطّي تقييم الجوانب الأخرى للنُظم البيئية المتأثّرة، كخسارة التنوّع الحيوي.
وتواجِه أجزاءٌ واسعة في جميع القارات ظاهرة تدهور الأراضي، بوتيرةٍ بالغة الارتفاع وعلى الأخص في جنوب الساحل الغربي للأمريكتين، وعبر منطقة البحر الأبيض المتوسط في جنوب أوروبا وشمال إفريقيا، وعبر السهل الإفريقي (منطقة الساحل) والقرن الإفريقي، وفي أنحاء آسيا كافة. ويتمثّل التهديد الأعظم في خسارة نوعية التربة، ويلي ذلك خسارة التنوّع الحيوي ونضوب موارد المياه.
وثمة نحو 1.6 مليار هكتار من أفضل أراضي العالم وأكثرها إنتاجاً تُستزَرع بالمحاصيل. وأغلب تلك الرقعة يصنّف ضمن فئة “التحسُّن”، لكن أجزاءً من تلك المناطق بدأت تتعرض للإجهاد بفعل الممارسات الزراعية التي تؤدّي إلى التآكل بالماء والهواء، وخسارة المادة العضوية، وتدمُّج الطبقة السطحية للتربة وملوحيتها المفرطة وتلوّثها، وفَقد المغذّيات.
خارطة توزع شح المياه في العالم
تفاقُم شَح المياه وتلوُّثها
وما يكشفه تقرير المنظمة “فاو” أن شَح المياه يتفاقم مع تزايد ملحية وتلوّث الأرصدة الجوفيّة، وتدهور الكتل المائية والنظم البيئية بوتيرة متزايدة. وتعاني كتل المياه الداخلية الكبيرة في مناطق كثيرة تحت ضغوط انخفاض التدفّقات، وتراكُم مخلّفات المغذيات إلى حدودٍ مفرطة، لا سيما من النتروجين “الآزوت” والفسفور. وبينما لا يصل العديد من الأنهار إلى مصبّاتها الطبيعية فأن مناطقها الرطبة والمستنقعية أخذت تختفي أيضاً.
وفي المناطق الرئيسيّة المنتِجة للحبوب حول العالم، تتركز عمليات سحب المياه الجوفيّة من أرصدة الطبقات الحاملة للمياه مما يستنفِد احتياطيات المياه الجوفيّة التي يسهل الوصول إليها وتعتمد عليها مجتمعاتٌ ريفية كموارد رئيسية.
ويحذِّر تقرير المنظمة “فاو” من أن “الاعتماد على إنتاج الأغذية الرئيسية بسحب المياه الجوفيّة، يؤدي إلى انخفاض أرصدة المياه الجوفيّة غير المتجدّد وقد يستنفدها مما يطرح خطراً متنامياً على إنتاج الأغذية المحليّ والعالمي”.
مصيدة الفقر
يلاحظ حالة موارد الأراضي والمياه في العالم لأغراض الغذاء والزراعة أن “أفقر الفقراء في جميع أنحاء العالم، نظراً إلى قدرتهم الأقلّ على الوصول إلى موارد الأراضي والمياه هم أسهل وقوعاً في مصيدة الفقر نظراً إلى تدهور نوعية الطبقة السطحية للتربة والتعرُّض الشديد لآثار تدهور الأراضي، فضلاً عن عدم اليقين المناخي”.
ويتركز نحو 40 بالمائة من أراضي العالم الأشد تدهوراً في مناطق معدّلات الفقر المرتفعة. لكن ما يدلّ على أنّ ظاهرة التدهور تلك خطرٌ ماثل على جميع الفئات ومجموعات الدخل، فأن30 بالمائة من أضعف الأراضي يُعثَر عليها في مناطق مستويات الفقر المعتدلة بينما يقع 20 بالمائة من تلك في مناطق معدّلات الفقر المنخفضة.
فرص المستقبل
تقدِّر المنظمة “فاو” أنّه بحلول عام 2050 ستفرِض المعدلات المتُصاعِدة للنمو السكاني ومستويات الدخل، زيادةً مقدارها 70 بالمائة في إنتاج الأغذية العالمي كضرورةٍ قائمة. ويعادل ذلك فعلياً إنتاج كمياتٍ إضافية مقدارها مليار طن من الحبوب و200 مليون طن من المنتجات الحيوانية بصفةٍ سنوية مستمرة.
ويشير تقرير الزراعة الدولي إلى أن “التغذية لكي تتحسَّن وينخفض انعدام الأمن الغذائي وينحسر نقص التغذية، فلا بد للإنتاج الزراعي أن يرتفع في المستقبل بمعدل أسرع من نمو السكان ولا بد أن تُعدَّل نماذج الاستهلاك الحالية”.
ويعني ذلك أن أكثر من أربعة أخماس مكاسب الإنتاج يجب أن تتحقَّق على الأكثر في نطاق الرقعة الزراعية الحالية من خلال التكثيف المُستدام وعبر الاستخدام الفعّال لموارد الأراضي والمياه بلا أضرارٍ جانبية.
التوصيات
يُعدَّ تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة، وفق التقرير، حاسماً إذ تعمل أكثر نظم الريّ في جميع أنحاء العالم دون قدراتها الكامنة. ومن شأن تطبيق جملة إجراءاتٍ من إدارة شبكات الريّ المحسّنة، والاستثمار في المعارف المحليّة والتقنيات الحديثة، وتطوير المعلومات والتدريب أن يرفع كفاءة استعمال المياه.
كما تنطوي الممارسات الزراعية المبتَكرة مثل الزراعة الصونيّة، ونظم الزراعة وتربية الماشية المتكاملة مع الغابات، والريّ المتكامل مع تربية الأحياء المائية على توسُّع الإنتاج بفعالية عالية في مواجهة مشكلات الأمن الغذائي والفقر، وفي الوقت ذاته التخفيف من الآثار السلبية على النظم البيئية في إطار القطاع الزراعي.
وقد طرحت المنظمة “فاو” رؤيتها لضرورة التركيز المستمر في الإنتاج الزراعي على هذه التوجُّهات الحديثة، عبر إصدارها من دراسة “الحفظ والتوسع”، في وقتٍ سابق من العام الجاري.
ومن المجالات الأخرى التي ينبغي أن تشهد تحسنّاً الاستثمار في التنمية الزراعية. ففي غضون الفترة بين عامي 2007 و2050 يقدَّر أن أن إدارة مياه الريّ لدى البُلدان النامية ستتطلّب نحو تريليون دولار أمريكي. وبالمثل سيحتاج صَون الأراضي وتنميتها والحفاظ على التربة والسيطرة على الفيضانات استثماراتٍ قيمتها 160 مليار دولار خلال نفس الفترة، حسبما أورد تقرير المنظمة “فاو”.
ويلي ذلك في الأهمية ضرورة إعارة مزيدٍ من الاهتمام ليس فقط للخيارات التقنية من أجل رفع مستويات الكفاءة والترويج للتكثيف المُستدام للإنتاج، بل وأيضاً ضمان عصرنة السياسات والمؤسسات الوطنية لتمكينها من التعاون الوثيق فيما بينها، ولكي تصبح في وضعٍ أفضل لمُجابهة تحديات اليوم المتصاعدة في مجالي إدارة موارد الأراضي والمياه.
ويشتمل تقرير حالة موارد الأراضي والمياه في العالم لأغراض الغذاء والزراعة على أمثلةٍ عديدة من الأعمال الناجحة في أجزاء مختلفة من الكرة الأرضية، تصوّر الخيارات المتعدّدة المتاحة لتكرارها في أمكنةٍ أخرى. بيد أن المُنافسة المتزايدة على موارد الأراضي والمياه حتماً تفرض المفاضلة بين الخيارات فيما بين أصحاب الحصص وتقييم المُبادلات بين جُملةٍ متنوِّعة من السلع والخدمات التي يتيحها النظام البيئي. ومثل هذه المعرفة لن تخدم تعبئة الإرادة السياسية وتخصيص أولوية للإجراءات العلاجية الموجّهة سياسياً فحسب… بل ستدعم بالتأكيد أيضاً سياق اتّخاذ القرارات الأفضل.