مخاطر تلوث الهواء على صحة الإنسان
- 1 November , 2011 -
- دراسات وبحوث بيئية
الدكتور مجد جرعتلي
تشير إحصاءات حديثة أجرتها ” منظمة الصحة العالمية ” منذ أيام إلى أنّ مليوني شخص يموتون كل عام من جراء تلوث الهواء وذلك نتيجة استنشاقهم الهواء الملوث بالغازات وبالمعلقات أو الجسيمات الصغيرة الموجودة في الهواء الداخلي والخارجي والناتجة عن تلوث الهواء بالعديد من الملوثات والغازات الدخيلة والضارة .
والجدير بالذكر أنّ مجموع هذه الجسيمات والتي يطلق عليها ” PM10 ” هي الجسيمات التي يبلغ قطرها 10 ميكرومتر أو أقلّ من ذلك والتي يمكنها النفاذ إلى الرئتين ودخول مجرى الدم، وقادرة على إحداث أمراض القلب وسرطان الرئة والربو وأنواع العدوى الحادة التي تصيب الجهاز التنفسي السفلي. وتُتاح، في بعض البلدان، قياسات تتعلّق بجسيمات أصغر، مثل PM2.5، وقد حدّدت مبادئ منظمة الصحة العالمية التوجيهية الخاصة بنوعية الهواء المتوسط السنوي الذي لا ينبغي تجاوزه فيما يخص تلك الجسيمات وهو يبلغ 20 ميكروغراماً في المتر المكعّب، ولكنّ البيانات الصادرة اليوم تبيّن أنّ ذلك المتوسط بلغ في بعض المدن 300 ميكروغرام/م3.
تعريف الهواء الملوث الضار بصحة الإنسان :
هو الهواء الذي يحتوي على مواد صلبه أو سائلة أو غازية دخيلة بكميات تؤدي إلى إلحاق أضرار مباشرة أو غير مباشرة بصحة الإنسان.
مصادر تلوث الهواء
تنقسم مصادر التلوث الهوائي إلى مصدرين رئيسيين هما :
المصادر طبيعية:
وهي المصادر التي لا دخل للإنسان بها وهي ( الغازات المتصاعدة من التربة والبراكين وحرائق الغابات و الغبار الناتج من العواصف والرياح) وهذه المصادر عادة تكون محدودة وأضرارها ليست جسيمة.
المصادر الغير طبيعية:
وهي التي يحدثها أو يتسبب في حدوثها الإنسان وهي أخطر من السابقة وتثير القلق والإهتمام حيث أن مكوناتها أصبحت متعددة ومتنوعة وأحدثت خللاً في تركيبة الهواء الطبيعي وكذلك في التوازن البيئي.
ولقد أصدرت ” منظمة الصحة العالمية ” منذ أيام مجموعة غير مسبوقة من البيانات الخاصة بنوعية الهواء تبيّن منها أنّ تلوّث الهواء بلغ، في كثير من المدن، مستويات خطيرة تهدّد صحة الناس. وتلك البيانات مستقاة من نحو 1100 مدينة تقع في 91 بلداً، بما في ذلك عواصم ومدن تؤوي أكثر من 100000 ساكن.
وفيما يلي نذكر بإختصار النتائج الرئيسية الواردة في مجموعة البيانات الجديدة:
• الإرتفاع المستمر في مستويات التلوّث بالغازات الضارة والجسيمات الدقيقة من الأمور الشائعة في كثير من مناطق المدن . والذي ينشأ من مصادر حرق الوقود، مثل محطات توليد الطاقة والمركبات المزوّدة بمحركات قديمة أو تعمل على الديزل ” المازوت ” .
• يفوق المتوسط السنوي لتعرّض الغالبية العظمة من سكان مناطق المدن للجسيمات PM10 المستوى الأقصى الموصى به في مبادئ منظمة الصحة العالمية التوجيهية الخاصة بنوعية الهواء والبالغ 20 ميكروغراماً/م3. وللأسف لا يوجد الآن بشكل عام، إلاّ القليل من المدن التي تستوفي القيم الواردة في المبادئ التوجيهية المذكورة.
• تشير التقديرات إلى أنّ عدد الوفيات المبكّرة التي يمكن أن يسببها تلوّث الهواء الخارجي بلغت، في عام 2008، بما يزيد عن 1.34 مليون وفاة. ولو تم استيفاء مبادئ منظمة الصحة العالمية التوجيهية على الصعيد العالمي لكان من الممكن توقي نحو 1.09 مليون وفاة في ذلك العام. وقد شهد عدد الوفيات التي يمكن لتلوّث الهواء أن يسببها في المدن زيادة مقارنة بالعدد التقديري المُسجّل في عام 2004 والبالغ 1.15 مليون وفاة. وهناك صلة بين الزيادة في الوفيات التي يمكن عزوها إلى تلوّث الهواء في مناطق المدن الحضرية وبين الزيادات المُسجّلة مؤخراً في تركيزات تلوّث الهواء وفي عدد سكان المدن.
وقالت ” الدكتورة ماريا نيرا ” مديرة إدارة الصحة العمومية والبيئة بمنظمة الصحة العالمية :
”إنّ تلوّث الهواء من القضايا الصحية البيئية الرئيسية ولا بدّ لنا من بذل المزيد من الجهود للحد من العبء الصحي الناجم عنه. وإذا قمنا برصد البيئة وإدارتها على النحو المناسب سنتمكّن من خفض عدد من يعانون من الأمراض التنفسية وأمراض القلب وسرطان الرئة.
مصانع الإسمنت من أخطر ملوثات الهواء
ومن الملاحظ، في جميع أنحاء العالم، أنّ هواء المدن غالباً ما يكون سميكاً ويحتوي على البخار أو الدخان المشبع بالسموم والمنبعث من أليات النقل القديمة أوالتي تعمل على الديزل كما يحتوي على السخام ” الهواء المشبع بالفحم الأسود ” والناجم من الأليات الثقيلة والمصانع ومحطات توليد الطاقة القريبة من المدن . وفي كثير من البلدان لا توجد أيّة قوانين تنظّم نوعية الهواء وهناك، في البلدان التي توجد فيها تلك القوانين، اختلاف كبير بين المعايير الوطنية وآليات إنفاذها.”
إذكاء الوعي بالمخاطر الصحية الناجمة عن تلوّث الهواء
لقد دعت ” منظمة الصحة العالمية ” إلى إذكاء الوعي بالمخاطر الصحية الناجمة عن تلوّث الهواء في مناطق المدن الكبرى وإلى مراقبة مشددة من قبل الحكومات وسكان تلك المدن وعدم السكوت عن أي نشاط يلحق الضرر بالهواء الذي يستنشقوه , وإلى تنفيذ سياسات فعالة ورصد الأوضاع السائدة فيها عن كثب. ومن المتوقع أن يسهم خفض المتوسط السنوي للجسيمات PM10 من 70 ميكروغراماً/م3 إلى 20 ميكروغراماً/م3 في الحد من معدل الوفيات بنسبة 15% ممّا يُعد مكسباً كبيراً في مجال الصحة العمومية. أمّا في الأماكن التي تشهد مستويات تلوّث أعلى فسيكون خفض ذلك المتوسط السنوي أقلّ تأثيراً في الحد من معدل الوفيات، ولكنّه سيعود أيضاً بمنافع صحية كبيرة.
وقال ” الدكتور كارلوس دورا ” منسق التدخلات الخاصة بالبيئات الصحية في إدارة الصحة العمومية والبيئة بمنظمة الصحة العالمية، “إنّ الحلول المطروحة لتسوية مشاكل تلوّث الهواء الخارجي في المدن ستكون مختلفة وفق الإسهام النسبي لمصادر التلوّث، ومرحلة تطوّره، والتضاريس المحلية. ولا بدّ للمدن من استخدام المعلومات الواردة في قاعدة بيانات منظمة الصحة العالمية من أجل رصد الاتجاهات السائدة في مجال تلوّث الهواء حتى تتمكّن من تحديد التدخلات الفعالة وتحسينها وتعزيزها.”
العوامل التي تساهم بشكل كبير في تلوّث الهواء :
ومن أهمّ العوامل التي تسهم في تلوّث الهواء الخارجي في المدن، وفي البلدان المتقدمة والبلدان النامية على حد سواء:
- وسائل النقل المزوّدة بالمحرّكات القديمة أو التي تعمل على الديزل ” المازوت
- - المصانع الصغيرة والكبيرة القريبة من المدن وخاصة معامل الإسمنت .
- - حرق النفايات بكافة أنواعها .
- - محطات توليد الطاقة . مقالع وكسارات الحجر القريبة من المدن .
- - النشاط الزراعي وذلك من إستخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية المنشأ.
- - النشاط السكاني والذي يتعلق بمخلفات المنازل من المواد الغازية والصلبة والسائلة .
ولقد صرح منذ أيام ” الدكتور مايكل كريزانوفسكي ” رئيس مركز منظمة الصحة العالمية الأوروبي للبيئة والصحة الكائن في مدينة بون بألمانيا بما يلي:
“إنّ الإجراءات المحلية والسياسات الوطنية والاتفاقات الدولية تمثّل جميعاً وسائل ضرورية لعكس اتجاه التلوّث والحد من انتشار آثاره الصحية على نطاق واسع. وما صدر من بيانات مستقاة من رصد نوعية الهواء يمكّننا من تحديد أكثر المناطق حاجة إلى إجراءات في هذا المجال ويمكّننا أيضاً من تقييم فعالية السياسات والإجراءات التي تم تنفيذها.”
طرق التخلص والوقاية من التلوث الهوائي:
- إلزام كافة المصانع في (القطاع الخاص والعام) على إقامة وحدات فلترة ومعالجة لمخلافاتها الغازية أو الغبارية أوالصلبة أو السائلة
- إستخدام البنزين الخالي من الرصاص والمازوت الخالي من الكبريت.
- مراقبة كافة وسائل النقل الخاصة والعامة والتأكد من سلامة محركاتها وإحتراق الوقود بشكل سليم.
- إبعاد كافة المصانع عن المدن وأماكن السكن.
- معالجة مياه الصرف الصحي بالطرق العلمية الحديثة.
- إستخدام الطاقة النظيفة بديلا عن الوقود الإحفوري مثل ( الفحم والديزل المازوت).
- إستخدام المبيدات والأسمدة ذات المصدر العضوي وليس الكيميائي.
- مراقبة المصانع والفعاليات الإنتاجية ذات التقنيات القديمة والملوثة وتتطويرها.
- زيادة المساحات المشجرة داخل المدن والتي يجب أن لا تقل عن 40% من مساحة المدينة، بالإضافة إلى زراعة أحزمه خضراء تحيط بها
- عدم إعطاء أي ترخيص صناعي جديد لايتقيد بشروط الحفاظ على سلامة صحة الإنسان والبيئة.
وفي الختام يمكن القول بأن أي تلوث للهواء ينتج عن سيارة أو أي مركبة أو أي نشاط صناعي أو زراعي هو بالحقيقة مصدرا لنشر السموم والموت والتي سوف تلحق الضرر ليس بالأخرين فقط بل سوف تلحق الضرر بالمسبب بها وبأجياله وبالبيئة وبكافة أشكال الحياة .